“استيقظت مدينة باريس على قرع الأجراس” هكذا يبدأ الكاتب الفرنسى الشهير فيكتور هوجو روايته الشهيرة “أحدب نوتردام”، وهكذا عادت مرة أخرى هذه المظاهر في أجواء مفعمة بالأمل والفخر، شهدت باريس يوم السبت الماضي حدثًا تاريخيًا تمثل في إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، المعلم التاريخي الذي يعود تاريخه إلى 860 عامًا. لقد كانت هذه اللحظة تجسيدًا للإرادة الجماعية والتضامن العالمي، حيث اجتمع قادة الدول والشخصيات البارزة للاحتفال بعودة هذا المعلم إلى الحياة بعد خمس سنوات من الترميمات الشاقة التي تلت الحريق المدمر في ربيع 2019.
تأسست كاتدرائية نوتردام في القرن الثاني عشر، وتعتبر واحدة من أبرز المعالم المعمارية في العالم. تتميز بتصميمها القوطي الرائع، الذي يجمع بين الجمال الفني والعمارة المتطورة. على مر القرون، شهدت الكاتدرائية العديد من الأحداث التاريخية المهمة، بما في ذلك تتويج نابليون بونابرت، وحفلات الزفاف الملكية، والاحتفالات الدينية الكبرى. لقد كانت نوتردام رمزًا للثقافة الفرنسية، ووجهة سياحية تجذب الملايين من الزوار سنويًا.
عندما دق رئيس أساقفة باريس، لوران أولريش، أبواب الكاتدرائية ثلاث مرات بصولجانه، كانت تلك اللحظة بمثابة إعلان عن بداية فصل جديد في تاريخ نوتردام. لقد كانت الأجراس تدق في أرجاء المدينة، معلنةً عن عودة الحياة إلى هذا المعلم الذي يحمل في طياته ذكريات وآمال الملايين. لقد ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابًا مؤثرًا، معبرًا عن امتنانه لكل من ساهم في إعادة ترميم الكاتدرائية، مشيدًا بالعمل الجماعي الذي أدى إلى هذه النتيجة المبهرة.
إن إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام ليست مجرد حدث ثقافي، بل هي تجسيد للإرادة الإنسانية في مواجهة التحديات. لقد أظهرت هذه اللحظة كيف يمكن للتعاون الدولي أن يثمر عن إنجازات عظيمة، حيث تبرع الناس من جميع أنحاء العالم لإعادة بناء هذا المعلم. حيث أن نوتردام ليست مجرد كاتدرائية، بل هي رمز للتسامح والتعايش بين الثقافات.
من المؤلم أن نعلم أن أحد المشرفين الرئيسيين على إعادة ترميم الكاتدرائية، الحرفي المغربي عز الدين هدنة، لم يكن قادرًا على حضور هذه اللحظة التاريخية. لقد توفي في نوفمبر الماضي، تاركًا وراءه إرثًا من العمل الجاد والتفاني. إن ذكراه ستظل حاضرة في قلوبنا، حيث كان جزءًا من هذا المشروع العظيم الذي أعاد الحياة إلى نوتردام. إن تكريمه في هذه المناسبة يعكس الاحترام والتقدير لكل من ساهم في هذا العمل.
مع إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، نأمل أن تكون هذه اللحظة بداية جديدة للسلام والتفاهم بين الشعوب. إن الكاتدرائية، التي كانت شاهدة على العديد من الأحداث التاريخية، ستظل رمزًا للأمل والإرادة. إننا نعيش في عالم مليء بالتحديات، ولكن لحظات مثل هذه تذكرنا بقوة التعاون والتضامن.