البابا تواضروس الثاني شخصية دينية بارزة لعبت دورًا محوريًا في تاريخ مصر المعاصر، خاصة خلال الفترات العصيبة التي مرت بها البلاد بعد ثورة 25 يناير 2011، وسنوات حكم الإخوان المسلمين، ثم ثورة 30 يونيو 2013 وما تبعها من أحداث. إليك المزيد من التفاصيل حول محطات هامة في قيادته للكنيسة القبطية ودوره في تعزيز الوحدة الوطنية.
في 4 نوفمبر 2012، تم اختيار البابا تواضروس الثاني بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليخلف البابا شنودة الثالث، وسط ظروف سياسية غير مستقرة في مصر. جاء اختياره في فترة كان فيها الأقباط يعانون من مخاوف متزايدة بشأن وضعهم بعد صعود الإخوان إلى السلطة، عندما تولت جماعة الإخوان المسلمين الحكم برئاسة محمد مرسي، كانت هناك مخاوف بين الأقباط من تهميشهم وزيادة الهجمات الطائفية ضدهم. خلال هذه الفترة، شهدت الكنائس المصرية اعتداءات متكررة، ومع ذلك، دعا البابا تواضروس إلى التهدئة وعدم الانجرار إلى العنف، مؤكدًا أن الحل يكمن في الوحدة الوطنية وليس في المواجهة الطائفية، وفي أعقاب عزل مرسي في 3 يوليو 2013، تعرضت الكنائس لهجمات انتقامية، خاصة في أغسطس 2013 بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة. ورغم إحراق أكثر من 60 كنيسة، خرج البابا تواضروس بموقف وطني قال فيه عبارته الشهيرة: “وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن”، ليؤكد أن مصر تأتي أولًا، وأن الأقباط لن يكونوا أداة لتفتيت البلاد.
كان البابا تواضروس من أوائل الشخصيات الوطنية التي أيدت خروج المصريين في ثورة 30 يونيو 2013 ضد حكم الإخوان، وشارك في الاجتماع الذي جمع قيادات الدولة والشخصيات العامة لإعلان خارطة الطريق، إلى جانب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والفريق أول عبد الفتاح السيسي، ما عكس وحدة الصف الوطني بين المسلمين المسيحيين، مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014، توثقت العلاقات بين الكنيسة القبطية والدولة، وظهر ذلك جليًا في زيارات الرئيس السنوية للكاتدرائية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد، وهو تقليد لم يكن يحدث من قبل. كما اهتمت الدولة بإعادة بناء الكنائس التي دُمرت في اعتداءات 2013، وهو ما قوبل بترحيب كبير من البابا تواضروس الذي أشاد بدور القيادة السياسية في تحقيق المواطنة.
شهدت فترة البابا تواضروس تقاربًا كبيرًا بين الكنيسة والأزهر الشريف، خاصة في ظل العلاقة القوية التي جمعته بالإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب. وعمل الطرفان على إطلاق مبادرات للحوار الإسلامي-المسيحي، وعقد لقاءات مستمرة لنشر ثقافة التسامح والسلام، والتصدي للأفكار المتطرفة التي حاولت الجماعات الإرهابية زرعها في المجتمع، بعد سقوط حكم الإخوان، حاولت الجماعة بث الفتنة داخل الكنيسة المصرية من خلال نشر شائعات عن البابا تواضروس، إلا أنه تعامل مع هذه المحاولات بحكمة، مؤكدًا أن الكنيسة مؤسسة وطنية لا تقبل التدخلات الخارجية أو التوظيف السياسي. كما رفض أي محاولات لخلق صدام بين الكنيسة والدولة، وركز على دور الكنيسة الروحي والوطني بعيدًا عن السياسة المباشرة.
كان للبابا تواضروس دور واضح في دعم الدولة المصرية في حربها ضد الإرهاب، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت الكنائس في البطرسية (2016) وطنطا والإسكندرية (2017). أكد البابا وقتها أن الأقباط لن يقعوا في فخ الفتنة الطائفية، وأن الرد على الإرهاب يكون بالتمسك بالوحدة الوطنية والتسامح، إلى جانب دوره الوطني، عمل البابا تواضروس على تطوير الكنيسة إداريًا وروحيًا، حيث أدخل إصلاحات في نظام التعليم الكنسي، واهتم بملف المهجر، إذ قام بزيارات خارجية متكررة لدعم الأقباط في الخارج وتعزيز ارتباطهم بالكنيسة والوطن الأم، دعا البابا تواضروس إلى تحقيق المواطنة الكاملة للأقباط في مصر، وكان داعمًا لقانون بناء الكنائس الذي صدر في 2016، والذي سهّل إجراءات بناء الكنائس وترميمها، بعد عقود من التعقيدات القانونية. كما أكد مرارًا أن المواطنة هي الحل الوحيد لضمان حقوق الأقباط، وليس العزلة أو الانفصال عن قضايا الوطن.
على مدار 12 عامًا، ظل البابا تواضروس الثاني نموذجًا لرجل الدين الذي جعل من الوطنية رسالة، ومن الحكمة سلاحًا، ومن التسامح قوة. ورغم التحديات، أثبت أنه قائد ديني بحجم مصر، استطاع أن يحمي الأقباط من الفتن، ويعزز وحدة الوطن، ويدعم الدولة في مواجهة التطرف، ليصبح بحق “بابا كل المصريين” ورمزًا للوحدة الوطنية.