لطالما كانت أفريقيا جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية المصرية، وخاصة خلال حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أقام علاقات وثيقة مع الدول الأفريقية على جميع الأصعدة السياسية، العسكرية، والاقتصادية. كانت شركة النصر للاستيراد والتصدير تمتلك مكاتب في معظم الدول الأفريقية، وساهمت الصادرات المصرية بشكل كبير في الاقتصاد الوطني.
كما لعبت مصر دورًا حاسمًا في دعم حركات التحرير الأفريقية، ما عزز مكانتها كداعم رئيسي لاستقلال القارة، بعد وفاة الرئيس عبد الناصر، لم تحظَ أفريقيا بالاهتمام نفسه من قبل خلفائه.
تراجع الدور المصري بشكل ملحوظ في عهد الرئيس السادات، وازدادت الفجوة في عهد الرئيس مبارك، خاصة بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا، حيث تبنى سياسة عزلة عن القارة، عندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، كانت مصر قد فقدت الكثير من نفوذها في أفريقيا. ومع ذلك، كان من أولوياته إعادة بناء الجسور المقطوعة، خاصة مع طموح مصر في الحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن ممثلةً عن أفريقيا.
بدأ الرئيس السيسي بتنفيذ استراتيجية شاملة لاستعادة الدور المصري، انطلاقًا من حضوره المتكرر لمؤتمرات القمة الأفريقية وزياراته الرسمية لدول القارة.
الاتجاه السياسي والدبلوماسي ضرورة إعادة منصب وزير الدولة للشؤون الأفريقية، على غرار الدور الذي لعبه الدكتور بطرس غالي في تعزيز الوجود المصري بالقارة، وتعزيز التعاون السياسي من خلال اجتماعات شهرية بين الخارجية المصرية والسفراء الأفارقة بالقاهرة لتنسيق الجهود في المحافل الدولية، دعم الأمن القومي الأفريقي عبر محاربة الإرهاب، خاصة بعد تولي مصر رئاسة إقليم شمال أفريقيا لمكافحة الإرهاب، تقديم الدعم العسكري للدول الأفريقية من خلال التدريب، وتوريد المعدات، وتبادل المعلومات الاستخبارات ية، الحد من النفوذ الإسرائيلي والإيراني في القارة عبر تعزيز الوجود العسكري المصرى، التعاون الاقتصادي والاستثمار، التجارة والاستثمار تعد القارة الأفريقية سوقًا واعدة للصادرات المصرية.
من هنا، تأتي أهمية عودة شركات كبرى مثل المقاولون العرب وأوراسكوم بقوة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الإنشاءات، الطاقة والمياه شاركت مصر في إنشاء سد جوليوس نيريري في تنزانيا، وهو أحد أبرز المشاريع التي تعكس التعاون الاقتصادي بين مصر وأفريقيا، تعمل الحكومة المصرية على زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الأفريقية، حيث بلغت قيمة التجارة البينية مليارات الدولارات سنويًا، مع توقعات بزيادة هذه الأرقام في المستقبل القريب.
في مجال البنية التحتية والنقل تقوم مصر حاليًا بتنفيذ شبكة طرق استراتيجية تربط بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر، تشمل طريقًا يمتد عبر السودان، ليبيا، وتشاد وصولًا إلى نيجيريا، إلى جانب كابل إنترنت فائق السرعة، ما يعزز التجارة والاتصال الرقمي بين دول القارة، التعليم والمنح الدراسية يجب على مصر تقديم المزيد من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة في الجامعات المصرية، وتنشيط دور معهد الدراسات الأفريقية لدراسة مشكلات القارة واقتراح حلول عملية لها، الدور الديني تعزيز دور الأزهر والكنيسة القبطية في نشر التعليم الديني المعتدل في أفريقيا، الإعلام والثقافة إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية مشتركة لتعزيز التواصل بين الشعب المصري والشعوب الأفريقية، الرياضة: استغلال وجود مقر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) في القاهرة لدعم العلاقات الرياضية بين مصر والدول الأفريقية.
بحسب تصريحات الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية المصري، في ديسمبر 2024، تجاوز حجم الاستثمارات المصرية في القارة الأفريقية 14 مليار دولار. يُظهر ذلك زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2021، حيث بلغت الاستثمارات المصرية في أفريقيا 10.2 مليار دولار، مع زيادة قدرها 1.2 مليار دولار في ذلك العام،من جهة أخرى، تُعَدُّ مصر وجهة رئيسية للاستثمارات الأجنبية في أفريقيا.
ففي عام 2023، استحوذت مصر على نحو 9.8 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يمثل 18.6% من إجمالي الاستثمارات في القارة التي بلغت 52.6 مليار دولار،تُعكس هذه الأرقام الدور المتنامي لمصر في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول أفريقيا، سواء من خلال الاستثمارات المصرية في القارة أو جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، إن الجهود التي تبذلها مصر اليوم في أفريقيا ليست مجرد محاولة لاستعادة الماضي، بل هي رؤية جديدة قائمة على التكامل الاقتصادي، التعاون الأمني، والتواصل الثقافي.
ومع المشاريع الطموحة التي تنفذها الشركات المصرية، والدعم السياسي والدبلوماسي، تبدو مصر على الطريق الصحيح لاستعادة دورها كقوة مؤثرة في القارة السمراء، لتعود أفريقيا إلى مصر، وتعود مصر إلى أفريقيا بقوة.