في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والإقليمية التي تمر بها مصر، أصبح من الضروري البحث عن موارد مستدامة لتعزيز الاحتياطي من النقد الأجنبي ودعم ميزان المدفوعات. ومع التحديات التي تواجه قطاعات مثل السياحة، المتأثرة بالأحداث الدولية، وتراجع إيرادات قناة السويس نتيجة للهجمات الحوثية بمضيق باب المندب، تزداد أهمية تحويلات المصريين بالخارج التي تُمثّل مصدرًا حيويًا مستقرًا للعملة الصعبة، بلغ في بعض الأعوام أكثر من 30 مليار دولار.
تحويلات المصريين بالخارج شريان حياة للاقتصاد، تحظى تحويلات المصريين بالخارج بأهمية استراتيجية تعادل، بل وتتفوق أحيانًا، على إيرادات السياحة وقناة السويس مجتمعين، في ظل تراجع دخل قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين وعدم الاستقرار السياسي المحيط، فهي أقل تأثرًا بالعوامل الجيوسياسية وأكثر استدامة، وهذا يفرض على الدولة المصرية ضرورة التحول من التعامل مع المصريين بالخارج كمصدر للتحويلات فقط، إلى اعتبارهم شريكًا أساسيًا في عملية التنمية والاستثمار وشريك محورى في دعم الاقتصاد.
ضرورة إيجاد تشريعات حديثة تعيد بناء الجسور، من هنا تبرز الحاجة المُلِحّة لقانون هجرة جديد، يتماشى مع التغيرات العالمية، ويمنح المصري في الخارج إحساسًا بالانتماء لهذا الوطن الأم ، ويتيح له أدوات المشاركة الاقتصادية والسياسية بشكل أوسع ومع بلوغ عددهم أكثر من 14 مليون مصري، ينبغي إعادة النظر في نسبة تمثيلهم في البرلمان وعدد المقاعد البرلمانية في القائمة الموحدة ، بما يعكس حجمهم وتأثيرهم الحقيقي، وبعد إلغاء وزارة الهجرة 2024 ودمجها ضمن وزارة الخارجية.
بات من الضروري إنشاء “المجلس الأعلى للمصريين بالخارج” برئاسة رئيس الجمهورية ككيان مستقل محورى يتولى التنسيق بين الدولة والجاليات في الخارج، ويضمن صوتًا موحدًا وتخطيطًا استراتيجيًا لدمج المصريين بالخارج في عملية التنمية الوطنية، كون الخارجية تتولي العديد من الملفات الهامة المتعلقة بالأمن القومي وعلاقتنا بالدول،لا تزال هناك قضايا إنسانية ومجتمعية بحاجة لمعالجة عاجلة، منها تسهيل إجراءات نقل الجثامين وتخفيض تكلفتها، والاهتمام بأسعار تذاكر الطيران، خاصة خلال الأعياد والمواسم، وينبغي أن تُبادر شركة “مصر للطيران” بعروض وخصومات موجهة للجاليات بالخارج، لتقوية الروابط الأسرية والاجتماعية.
من المقترحات الجادة التي يجب تفعيلها استكمال مشروع “شركة المصريين بالخارج”، لتكون ذراعًا اقتصادية تستوعب رؤوس الأموال الدولارية وتوجهها نحو مشروعات قومية إنتاجية، مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الغذائية، ويمكن ربط هذه الشركة بصندوق الاستثمارات العامة، مع منح المستثمرين امتيازات مثل التخفيضات الجمركية، وسهولة تحويل الأرباح، وحوافز ضريبية مشجعة، الرعاية لا تقتصر على الاستثمار فقط، بل تمتد إلى الخدمات، وعلى رأسها فتح المجال أمام أبناء المصريين بالخارج للالتحاق بالجامعات المصرية بنسبة أكبر، وإنشاء برامج تعليمية دولية مخصصة لهم وكذلك.
يجب طرح نظام تأمين ومعاشات خاص للمصريين بالخارج، يضمن لهم حياة كريمة بعد العودة أو التقاعد، في ظل التحديات الاقتصادية، يمتلك المصريون بالخارج الإمكانيات والخبرة والولاء الكافي لدعم الوطن، ولكن نجاح الدولة في استثمار هذه القدرات يتوقف على الإرادة السياسية والتشريعات الجاذبة، والتواصل الفعال، وتقديم الحوافز العملية، إن المصريين بالخارج ليسوا مجرد مغتربين، بل هم سفراء مصر في العالم وثروتها الحقيقية التي حان وقت استثمارها.
إنشاء بوابة إلكترونية شاملة للمصريين بالخارج كمنصة موحدة تحت رعاية الدولة، تقدم خدمات إلكترونية متكاملة مثل:
- تسجيل البيانات لتحديث قواعد المعلومات.
- الاستعلام عن الاستثمارات والخدمات الحكومية.
- تقديم طلبات للحصول على الامتيازات والمحفزات.
- التواصل مع الجهات الحكومية المعنية لحل المشكلات.
إطلاق مبادرات “العودة الذكية”برامج تشجع العقول المصرية المهاجرة على العودة المؤقتة أو الدائمة من خلال فرص عمل متميزة في المشروعات القومية، دعم مشاريع ريادة الأعمال،
تسهيلات في الإقامة والضرائب والحوافز، التمثيل الثقافي والإعلامي للمصريين بالخارج، تخصيص مساحة إعلامية في القنوات الرسمية لعرض نجاحات المصريين بالخارج، تنظيم مهرجانات ومؤتمرات ثقافية وفنية تضم رموز الجاليات.
صندوق دعم الطوارئ للمصريين بالخارج، صندوق يمول من جزء من التحويلات الطوعية أو اشتراكات رمزية، يستخدم لمساعدة المصريين في الأزمات (الترحيل، الكوارث، القضايا القانونية)، لتمويل الحملات القانونية والدبلوماسية في بعض الحالات الحرجة.
تعزيز التعليم المصري في الخارج، التوسع في إنشاء مدارس مصرية أو مراكز تعليمية بالتعاون مع الجاليات، اعتماد نظام تعليم هجين (أونلاين-حضوري) موجه لأبناء المصريين بالخارج، توفير منح دراسية مخصصة لأبناء المصريين بالخارج للالتحاق بالجامعات المصرية ودعم الموهوبين من الجيل الثاني والثالث .
جذب الاستثمارات عبر منصات إلكترونية، تصميم منصات خاصة للمصريين بالخارج للاستثمار في مشروعات مصرية مضمونة، ربط المصريين بصناديق استثمارية في القطاعات الحيوية (كالزراعة والصناعة والسياحة).
المجالس الاقتصادية للجاليات، تشكيل مجالس اقتصادية في كل دولة كذراع تنفيذي للمجلس الأعلى للمصريين بالخارج، بإشراف مباشر من السيد الرئيس ، تشمل خبراء ودارسين من الجالية ورجال أعمال مصريين بالخارج، ممثلين عن السفارات والقنصليات.
تعزيز التبادل التجاري، تشجيع المصريين بالخارج على أن يكونوا وكلاء للمنتجات المصرية، دعمهم في تنظيم معارض دائمة أو مؤقتة للمنتجات المصرية في دول المهجر.
ضرورة إعادة النظر في حل مشكلات التجنيد لشباب المصريين بالخارج حول العالم، مع ضرورة استيعاب الدولة لقضية الهجرة غير الشرعية وتفعيل مبادرات مراكب النجاه.
نظام تمثيل المصريين بالخارج في القوائم الانتخابية. المقترحة يمكن تصميمه ليعكس الوزن الحقيقي للجاليات المصرية بالخارج، ويضمن لهم صوتًا فعالًا في صنع القرار الوطني، فيما يلي تصور مقترح لنظام التمثيل البرلماني :
- العدالة في التمثيل: تحديد نسبة من المقاعد تتناسب مع عدد المصريين بالخارج (أكثر من 14 مليون).
- التمثيل الجغرافي: تقسيم الجاليات حسب المناطق (أوروبا – الخليج – أمريكا الشمالية – أفريقيا – آسيا وأستراليا).
- التمثيل النوعي: مراعاة تنوع الجاليات (عمالة – خبرات أكاديمية – رجال أعمال – شباب).
تخصيص نسبة لا تقل عن 10% من إجمالي مقاعد القائمة الوطنية الموحدة لتمثيل المصريين بالخارج، ترشيح الأسماء من خلال لجان تنسيقية في السفارات والقنصليات بالتعاون مع ممثلي الجاليات بحيادية وشفافية يتم التصويت لهم من المصريين بالخارج فقط عبر آلية إلكترونية مؤمنة.
إنشاء دائرة انتخابية خاصة بالمصريين بالخارج، تُعامل الجالية المصرية بالخارج كدائرة انتخابية مستقلة، تخصيص عدد معين من المقاعد ( 16 مقعدًا) يُنتخب أصحابها مباشرة من المصريين بالخارج، تقسيم المقاعد حسب الكثافة السكانية للجالية في كل منطقة جغرافية، إنشاء مفوضية دائمة لشؤون المصريين بالخارج في البرلمان، تكون مسؤولة عن مناقشة القوانين المتعلقة بهم، تطبيق التصويت الإلكتروني والتصويت عبر البريد لتسهيل مشاركة المصريين بالخارج، حملات توعية انتخابية مكثفة عبر القنصليات والمنصات الرقمية لرفع نسب المشاركة.
في الختام، إن المصريين بالخارج ليسوا مجرد مغتربين، بل سفراء مصر وثروتها الحقيقية، وهم قادرون على دعم الوطن إذا ما توفرت الإرادة السياسية، والتشريعات الجاذبة، والتواصل الفعّال، والحوافز العملية، آن الأوان أن يتحولوا إلى شريك استراتيجي في بناء مستقبل مصر.