رئيس التحرير

ماري جرجس

مدير التحرير

مينا البدراوي

المتحف المصري الكبير يتصدر المشهد .. ٣ يوليو مصر تتحدث عن نفسها من جديد - نبأ اليوم

المتحف المصري الكبير يتصدر المشهد .. ٣ يوليو مصر تتحدث عن نفسها من جديد

رامي علم الدين

في يوم من أيام التاريخ، تقف مصر أمام العالم اليوم لتكتب فصلًا جديدًا من فصول مجدها الممتد عبر آلاف السنين. وأخيرًا، يفتتح المتحف المصري الكبير، أكبر صرح أثري وثقافي عرفته البشرية في العصر الحديث، وواحد من أعظم المشروعات القومية التي تعكس عبقرية المصريين وحضارتهم التي لا تنكسر. لم يكن هذا المتحف مجرد فكرة طارئة أو مشروعاً عابراً، بل حلم بدأ منذ عقود طويلة حين أدركت الدولة أن متحف التحرير لم يعد قادرًا على استيعاب الكنوز الأثرية المتراكمة ولا يليق أن تبقى هذه الكنوز مدفونة داخل المخازن بعيدًا عن أنظار المصريين والعالم.

جاء المتحف المصري الكبير ليجمع التاريخ في مكان واحد، وليعرض أمام أعين البشرية كنوزًا بعضها لم يُعرض من قبل. في موقعه الفريد المطل على أهرامات الجيزة، وعلى مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، أقيم المتحف ليكون شاهدًا على عظمة أمة ما زالت تحافظ على ميراثها العظيم. ومنذ وضع حجر الأساس في ٢٠٠٢، وحتى اليوم، ظلت الحكاية أكبر من مجرد بناء، إنها معركة حضارية متكاملة خاضتها مصر وسط تحديات اقتصادية وسياسية وظروف محلية وإقليمية معقدة.

يضم المتحف المصري الكبير أكثر من مائة ألف قطعة أثرية تمثل حضارة المصريين من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني. ومن أبرز معالمه قاعة الملك توت عنخ آمون التي تُعرض فيها ولأول مرة مجتمعة كل مقتنيات الملك الصغير، والتي تزيد عن خمسة آلاف قطعة نادرة، يتوسطها القناع الذهبي الشهير. كذلك يستقبل الزائرين تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني عند المدخل، بوزن يتجاوز الثمانين طنًا، نقل خصيصًا من قلب القاهرة ليكون في استقبال العالم عند بوابة المجد. داخل المتحف أيضًا قاعات ضخمة للمومياوات الملكية، ومركز ترميم عالمي يعد الأكبر في الشرق الأوسط، يضم عشرات المعامل الحديثة التي تحفظ وتصون كنوز الأجداد.

ورغم أن المتحف مشروع ثقافي في الأساس، إلا أن عوائده الاقتصادية والسياحية هائلة. فمن المتوقع أن يستقطب المتحف قرابة خمسة ملايين زائر سنويًا، ليمثل بذلك دفعة قوية لقطاع السياحة، الذي يُعد أحد أعمدة الاقتصاد المصري. شركات السفر العالمية بدأت منذ شهور في وضع المتحف ضمن برامجها، وتجهزت الفنادق والمطاعم لاستقبال أفواج من كل دول العالم، يأتون ليروا بأعينهم كيف أن التاريخ له موطن واحد اسمه مصر. افتتاح المتحف في هذا التوقيت رسالة صريحة للعالم كله بأن مصر بلد أمن واستقرار وتقدم، وأنها رغم كل محاولات التشويش قادرة على تحقيق إنجازات تتحدث عنها الدنيا بأسرها.

وكما جرت العادة، ومع كل خطوة للأمام تخطوها الدولة، تتحرك قوى الظلام، وتشتعل اللجان الإلكترونية، وتُفتعل الأزمات والشائعات، في محاولة لصرف الأنظار عن الحدث الأهم. لحد ٣ يوليو، حاول البعض نشر طاقة سلبية، أو صناعة معارك جانبية، أو التشكيك في جدوى المشروع، أو افتعال قصص سخيفة لتصدر المشهد. هو ذات الكتالوج المعروف منذ سنوات، لكن وعي المصريين تغير، والناس باتت تعرف جيدًا أن تلك المحاولات تأتي تحديدًا مع كل مشروع ناجح، ومع كل مشهد يرفع من قيمة مصر أمام العالم.

الجدوى الاقتصادية: المتحف المصري الكبير يُعد واحدًا من أضخم المشروعات الثقافية والاستثمارية في الشرق الأوسط، بتكلفة تجاوزت مليار دولار. لكنه في الوقت نفسه استثمار طويل الأجل يعود بعوائد اقتصادية مستدامة على الدولة.
فمن المتوقع أن يُحدث المشروع طفرة في الدخل القومي من خلال: زيادة حركة السياحة الدولية، إذ يُقدر أن يجذب المتحف نحو ٥ ملايين زائر سنويًا، بما ينعكس مباشرة على إيرادات تذاكر الدخول، والجولات السياحية، وخدمات النقل والفنادق، تنمية المنطقة المحيطة بالمتحف، حيث من المتوقع أن تشهد منطقة الجيزة استثمارات ضخمة في الفنادق والمطاعم والمراكز التجارية، ما يخلق آلاف فرص العمل الجديدة، رفع قيمة الأصول الثقافية المصرية، فكل قطعة أثرية ستُعرض في المتحف تكتسب قيمة مضافة بمجرد عرضها أمام ملايين السائحين، وهو ما يزيد من قيمة المعروضات سياحيًا واستثماريًا، تحفيز حركة الاستثمار العقاري والسياحي في محيط المتحف، مع تنامي الاهتمام بالمناطق المحيطة به كمركز جذب عالمي.

من الناحية الاجتماعية، للمتحف تأثير بالغ الأهمية على الهوية الوطنية والوعي المجتمعي، يعزز المتحف انتماء المواطن المصري لحضارته العريقة، إذ أصبح له صرح حضاري عالمي يفتخر به أمام العالم، يدعم المشروع فرص العمل للشباب في مجالات متنوعة تشمل السياحة، الآثار، الحرف اليدوية، المطاعم، الترفيه، والإدارة، يسهم في نشر ثقافة الوعي بالحضارة المصرية لدى الأجيال الجديدة، من خلال زيارات المدارس والجامعات، والبرامج التعليمية التي ستُقدم داخل المتحف، يعيد المتحف الروح لمناطق كانت مهملة أو محدودة النشاط الاقتصادي، مما يسهم في تنمية مجتمعية متكاملة بالجيزة.

الجدوى السياحية، أما سياحيًا، فالمتحف المصري الكبير يمثل نقلة نوعية: سيجعل من منطقة الأهرامات والمتحف وجهة سياحية متكاملة، تقدم للسائح تجربة متكاملة تجمع بين عظمة الأهرامات وأكبر متحف للآثار في العالم في مكان واحد، يعزز من معدل إقامة السائحين وزيادة إنفاقهم، حيث يتوقع أن يخصص الزائر يومًا كاملاً أو أكثر للمتحف والمنطقة المحيطة، يوفر فرصًا سياحية متنوعة من خلال قاعات العروض، مركز المؤتمرات، المناطق التجارية، المطاعم، الفعاليات الثقافية، ومعامل الترميم التي يمكن زيارتها، يرفع من تصنيف مصر على خارطة السياحة العالمية، ويضعها في مقدمة الوجهات الثقافية، إلى جانب أبرز متاحف العالم مثل اللوفر في باريس والمتحف البريطاني في لندن.

المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى يعرض قطعًا أثرية، بل حكاية شعب استطاع أن يحفظ ذاكرته لآلاف السنين، وأن يصون تراثه وسط عالم يتغير كل يوم. يوم ٣ يوليو ٢٠٢٥ سيسجله التاريخ يومًا لانتصار الإرادة الوطنية، وتحقيق الحلم المصري الذي طال انتظاره. هو يوم لا يشهد فقط افتتاح متحف، بل يؤرخ لمرحلة جديدة تعود فيها مصر إلى مكانها الطبيعي في مقدمة الأمم صاحبة الحضارات الخالدة. ومهما حاول المغرضون التشويش أو التقليل، تبقى الحقيقة الساطعة أمام العالم: هذه مصر.. بلد لا تنكسر، ولا تعرف المستحيل.

كاتب

Related posts

رؤيه لأداء السوق المصري ودول التعاون الخليجي في أسبوع

رؤيه لأداء السوق المصري ودول التعاون الخليجي في أسبوع

رؤيه لأداء السوق المصري والبورصة ودول التعاون الخليجي في أسبوع