تزامنا مع أجراس الكنائس المصرية مساء السادس من يناير أعلن خبر رحيل أحد أبرز القيادات الوطنية والعسكرية على الإطلاق في تاريخ مصر العسكري، الفريق شرفي جلال محمود الهريدي متولي، الأب الروحي ومؤسس سلاح الصاعقة المصرية، ورئيس حزب حماة الوطن أحد أبرز الأحزاب السياسية المصرية الفاعلة في الشارع، سيرة و مسيرة لقائد استثنائي كان له دور لن ينسي، وجائحة من الحزن أصابت اهل السياسة حزنا على فقد رمز وطني من طراز فريد وشخصية عسكرية نبيلة، الفريق جلال الهريدي من أبرز القادة العسكريين في تاريخ قواتنا المسلحة المصرية ، وكان له إسهامات كبيرة في الحياة السياسية بعد ثورة ٣٠ يونية المجيدة ، إذ ترأس حزب حماة الوطن وشارك كعضو بمجلس الشيوخ، جنازة عسكرية مهيبة في تشييع الجثمان الطاهر ملفوف بعلم مصر ومراسم عزاء تليق بشخصية عسكرية فريدة باتت رمز وفخر للالتزام والتقدير على أعلى مستوى من قيادات الدولة، ومن المتوقع إطلاق اسم الفريق على أحد الميادين أو الطرق المحورية الهامة في مصر تخليدا له وتقديرا لدوره البارز في خدمة وطنه، ولد الفريق عام ١٩٢٩ (العمر ٩٦ سنة)، الأب الروحي لسلاح الصاعقة المصري، قائدا للقوات المصرية والسورية في محافظة اللاذقية السورية شارك في حرب العدوان الثلاثي عام ١٩٦٧، حرب الاستنزاف في الحقبة الناصرية، نال خلال مسيرته العسكرية على عدد من الأوسمة والجوائز منها، وسام الجدارة الذهبي (حرب ١٩٤٨)، وسام الأرز الوطني، وسام الكوكب الأردني نجمة الشرف العسكرية.
أسس أول فرقة صاعقة مصرية عام ١٩٥٥ بالقوات المسلحة والتي كانت النواة الأولي لتأسيس سلاح بالكامل رسميا عام ١٩٥٧، كانت بداية تأسيس سلاح الصاعقة بعدما زار قائد سلاح المظلات المصري في أوائل خمسينيات القرن الماضي لمدرسة المشاة الأمريكية (رينجرز)، وأعجب بتدريباتها التي من ضمنها التدريب على أعمال الصاعقة، وعندما عاد للقاهرة قام بإرسال وقتها ملازم جلال هريدي، والملازم أول نبيل شكري لمدرسة المشاة الأمريكية لتلقي فرقة الصاعقة.
وكان جلال هريدي متفوق للغاية وابدى الأمريكان اعجابهم بهذا الشاب المصري إذ لم يتعدَ عمره العشرون عاما وتفوق في الفرقة بل انه تفوق على الوافدين للفرقة من الدول الأخرى، بل وكان فارق الدرجات بينة وبين الأمريكي الحاصل على المرتبة الثانية كبير، وبعد عودته من أمريكا اجتمع مع أصدقائه الملازم مختار الفار، وسمير البلشي، وأحمد ممدوح إسماعيل، ونبيل شكري وعرض عليهم فكرة تكوين فرقة مثل التي حصلوا عليها من الولايات المتحدة ولكنهم ترددوا في ان يعرض ضباط صغار الأمر على اللواء علي عامر هذه الفكرة إلا ان نبيل شكري كان من أشد المتحمسين للفكرة.
وبالفعل ذهب جلال هريدي وعرض الفكرة على اللواء وبالفعل تم الموافقة على إنشاء مدرسة للصاعقة وإنشاء أول فرقة صاعقة بسيناء، في عام ١٩٥٥ على أن يكون جلال هريدي هو كبير معلميها وذهب اللواء علي عامر للمقدم أحمد إسماعيل (المشير أحمد إسماعيل فيما بعد) قائد كتيبة الملازم جلال هريدي، وعرض عليه فكرة الضابط الصغير الذي هو قائدة ووافق أحمد إسماعيل وتم إنشاء المقر وكان في أبو عجيلة وفرز جلال هريدي من أنسب الرجال ليكونوا معلمين معه يتمتعون بقلب ميت والتزام عسكري، فكان مختار الفار من سلاح المدفعية، ونبيل شكري من سلاح المشاة ،وأحمد ممدوح إسماعيل من سلاح المشاة، وكانت التدريبات غير تدريبات فرقة الرينجرز الأمريكية بل كان المعلمين هم الطلاب وكان الانضمام للفرقة من الضباط وضباط الصف بإرادتهم من الذين يردوا ان يكونوا فدائيين بكل معنى الكلمة.
واضيفت للفرقة قفزة ثقة كانت تتم خلف سد الرواقع للتأكد من ان الرجل الذي أتى ليأخذ الفرقة شجاعاً بمعنى الكلمة، وانضم للفرقة الملازم إبراهيم الرفاعي وبعض الضباط وكان من بينهم النقيب نبيل الوقاد والشقيقين البورسعيديين «الملازم أول طاهر الأسمر والملازم أول فاروق الأسمر»، وحدثت معركة تدمير معسكر الدبابات البريطانية ببورسعيد وقت العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦م، وذهب الرجال إلى المعارك وتبنت القيادة الرجال الحاصلين على الفرقة من ضباط وصف ضباط وظلوا يقومون بشن عمليات ضد الإنجليز.
ثم تقرر أن يحصل رجال المظلات على هذه الفرقة والعكس بين الصاعقة والمظلات فكلاهما سلاحان قريبان من بعضهما البعض من حيث التدريبات، وبعد الحرب تقرر إنشاء سلاح الصاعقة رسمياً عام ١٩٥٧ م، ودخلت فرقة الصاعقة العديد من المعارك في حروبها باليمن وسوريا ومحاولة الصاعقة مهاجمة المطارات الإسرائيلية في حرب ١٩٦٧ وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ١٩٧٣م.
قائد سلاح الصاعقة في حرب التحرير المجيدة عام ١٩٧٣ الفريق جلال هريدي: «الصاعقة هي السلاح الوحيد الذي قام بعمليات قبل أن يوجد أو يؤسس، وكنت وقتها برتبة (النقيب حالياً)، وأراد المشير عامر، رحمه الله، أن يرقيني إلى رتبة (المقدم) لكي تكون الرتبة مناسبة لقيادة هذا السلاح، فقلت له “يا فندم هذا يعتبر مكافأة على ما عملناه في بورسعيد، وأنا أريد أن أنشئ هذه القوات على مبادئ معينة”، وكلكم تعلمون أن ضباط الصاعقة جميعاً سواء الشهداء أو الأحياء كانوا يتسابقون إلى العمليات دون انتظار أي جزاء أو مكافأة. فاتخذ المشير عامر قراره الجريء، الذي لا يستطيع أحد غيره أن يتخذه بتعيني قائداً لقوات الصاعقة، وأنا برتبة اليوزباشي، وعمري أقل من 27 عاماً، وأنا هنا أقرر حقيقة ساطعة يدركها كل من خدم بالصاعقة في الخمسينيات والستينيات وهي أنه لولا المشير عامر ما كان من الممكن أن يكون للصاعقة وجود، فقد آمن عامر بها وتبناها، من أول يوم ووفر لها كل الأولويات، فكنت أول ضابط في تاريخ القوات المسلحة يتولى قيادة سلاح برتبة نقيب».
تم اختيار اسم من آيات القرآن الكريم «الصاعقة» أما علم الوحدات فاستوحي الشعار من اللونين الأسود والأصفر راية الرسول عليه الصلاة والسلام، لتكون أبرز سلاح بصفوف قواتنا المسلحة وتخلد سيرة قائد عسكري أفنى عمره وحياته كلها في خدمة الدولة المصرية، وعاصر كافة الرؤساء المصريين بدأ من اللواء محمد نجيب وانتهاء بآخر الرؤساء الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي كان يقدره كقائد عسكري استثنائي لن يتكرر.. رحم الله تعالى الفقيد وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.