حي المطرية، الواقع في شرق القاهرة، يحمل بين طياته قصة تحول ملهمة تروي رحلة من الألم والثورة إلى فسحة من الأمل والتلاحم الاجتماعي. ففي أيام ثورة 25 يناير 2011، كان المطرية مسرحًا لصراعات حادة، إذ اشتعلت شوارعها بمظاهرات حاشدة واشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا. ومن أشهر الأحداث تلك التي شهدتها ليلة “جمعة الغضب” في 28 يناير 2011، حيث أفادت الإحصائيات الرسمية بسقوط 33 قتيلاً، ما جعل الحي رمزًا للتضحية والشجاعة في مواجهة القمع.
وبعد عام 2013، بدأت بذور التغيير تنمو في أرجاء المطرية، خاصة في منطقة عزبة حمادة، حيث خطت خطوات جديدة نحو الوحدة والبهجة. برز تقليد حفل الإفطار الجماعي يوم 15 رمضان، والذي تحول مع مرور الزمن إلى أكبر تجمع شعبي في مصر. ففي هذا اليوم المبارك، تتهافت الأسر والشباب وكبار السن في الشوارع والساحات، ليشاركوا في مائدة إفطار تمتد على مساحات واسعة، تعكس روح التكافل والمحبة بين أفراد المجتمع.
يُقام هذا الحدث السنوي بجهود محلية وتكافل جماعي؛ حيث يساهم التجار وأصحاب المحلات في تقديم الطعام والمشروبات، ما يجسد روح العطاء والمشاركة. ويتخلل الإفطار أجواء احتفالية تشمل ابتهالات دينية ومدائح نبوية، إلى جانب جلسات سمر رمضانية تستمر حتى وقت السحور، مما يضفي على المناسبة أبعادًا روحية واجتماعية سامية. كما يُعد هذا التجمع فرصة لتجديد العلاقات الاجتماعية وإعادة إحياء الروابط التي تجمع بين أفراد الحي، إذ يتم دعوة المحتاجين وعابري السبيل للمشاركة في فرحة الإفطار.
وفي عام 2025، بلغ حجم هذا الحدث ذروته مع مشاركة واسعة من الأهالي والمقيمين في المناطق المجاورة، بالإضافة إلى حضور عدد من الوزراء والشخصيات العامة، ما أكسبه بعدًا وطنيًا يعكس أهمية الوحدة والتلاحم الاجتماعي في المجتمع المصري.
هذا التحول اللافت من معقل شهد فصولًا مظلمة من الاضطرابات إلى كرنفال شعبي رمضاني يعد مثالاً حيًا على قدرة المجتمع على تجاوز الماضي وإحياء روح التضامن، مؤكدًا أن قيم المحبة والتآخي قادرة على تحويل الألم إلى أمل والظروف الصعبة إلى فرص للتلاقي والوحدة.