في زمن التشويش وتزييف الوعي وازدواج المعايير الدولية وتضارب المصالح الإقليمية، حين تختلط الأصوات وتضيع الحقائق بين ضجيج مفتعل وأبواق مأجورة، تصبح الكلمة الحقة مسؤولية، ويصير الدفاع عن الثوابت واجبًا لا خيارًا، القصة – لمن أراد أن يفهم – ليست مزاد شتائم، ولا وليمة ردح إلكتروني ، ولا حالة انفعال منتفخ ولا رؤى ملتهبة، إنها ببساطة جهل مطبّق، تزييف فج، واستهداف معلن لدولة بحجم مصر والتي لا يمكن لأحد تجاهل دورها المحوري في الدفاع عن قضايا محيطها العربي .
لمن يتغافل أو يتجاهل، إذا كان المحرك إنسانيًا كما يزعمون، فليعلم الجميع أن الشعب المصري بفطرته النقية قدم وحده ما يعادل ما قدمته دول العالم مجتمعة، ولعل الهلال الأحمر المصري يعيد نشر الأرقام والأسماء ليعلم من يزايدون قدرهم الحقيقي أمام ما فعلته مصر من مساعدات طوال فترة الصراع العربي الصهيوني، فلقد لعبت مصر دور الوسيط الكفء في وقف إطلاق النار رغم فشل الجميع .
مصر .. نعم، هي من وقفت أمام محاولات التهجير القسري رغم الإغراء السياسي والاقتصادي والوعود الأمريكية والضمانات ، لم تحل أزماتها الاقتصادية على حساب دماء الأبرياء ولا استغلال المآسي لتحقيق مكاسب سياسية، من اللحظة الأولى وحتى اللحظة التي تُكتب فيها هذه السطور، لم تغب مصر عن المشهد الإقليمي، ولم تتخلي ولو ليوم واحد عن دعم القضية، وانقاذ آلاف الأبرياء داخل القطاع، وتقديم المساعدات وفتح المستشفيات الحكومية لعلاج الجرحي، وخاضت معارك دولية واقليمية في محاولة جادة لإنهاء الحرب وإيقاف الهجمات المسلحة علي الأبرياء، هي من تفاوضت، هي من دعت إلى مؤتمر دولي في الشهر الأول للمأساة، حين صمت الجميع عن جريمة العصر، هي من أقامت مخيمات تحت القصف، من استقبلت آلاف الجرحى، من احتضنت أيتامًا فقدوا ذويهم، من استقبلت مساعدات شحيحة ظلت تناشد العالم ليتحرك.
والقضية اليوم – ويا لسخرية الزمن – صارت قافلة لا تسمن ولا تغني من جوع، تحركت بعد شهور من الكارثة، فقَدت حتى رمزيتها، ولن ينخدع بها سوى ساذج أو صاحب غرض، أو مغيب، أما من أتوا من فانتازيا “اللا دولة” بلاد المغرب الذى فقد هويته وبصلته العربية ، فليعلموا أن مصر ليست ساحة فوضى، ولا مجال فيها لمداعبة سيادتها أو اختبار هيبتها، ولعل بيان الخارجية المصرية كان واضح وعلي قدر الحدث، والمحزن أن يخرج من بيننا – نحن أهل مصر – من لا يرى الأمر بهذا البعد، أو لا يدرك ما تُحاك به الأوطان من مؤامرات بثوب التعاطف الزائف ووقع أسير للمتاجرة دون أن يعي حجم القضية وخطورة التهجير القسري لأهالي قطاع غزة .
إن إحترام سيادة الدول وقوانينها ليس وجهة نظر، ولا مادة للنقاش، ولا سردية إعلامية كما يحلو للبعض أن يصور، شهادة الكمال لا تحتاجها مصر من ناقص، وصياحكم الطروب لا يطربنا، ولا ننتظر على صدورنا وسام استحقاق من ضائع الهوية واللسان، لا يعرف إن كان عربيًا أم أعجميًا أم فوضويًا،
مصر التي تعرف من تكون لم ولن تنزل يومًا لدونية الفوضى ولا لعشوائية المأجورين، ولن تكون ساحة للاستعراض، فوضاكم لا محل لها في قاموسنا، وكرامتنا ليست مادة للمساومة، ولن نطلب جزاءً ولا شكورًا، بل فعلها وطني وأهله بفطرتهم لأنهم يعرفون أنفسهم.
السؤال الحقيقي، الذي يجب أن يُطرح اليوم من أنتم؟ عودوا دياركم.
لا للمزايدة